top of page

الحشاشون والارهاب بين الامس واليوم 

 

ان ما يشهده العالم من موجة ارهاب شنيعة يتم فيه تنفيذ القتل والاجرام بأبشع الطرق بذريعة خلفية دينية جهادية تخرج عن اصول واخلاق الدين وتتبع منهجا معاديا للدين نقسه وللانسانية وتعيث خرابا بالمجتمعات والحياة المدنية وتقلب امور السياسة في الدول وتعيث التنمية والعلوم والتربية، ليس شيئا جديدا على تاريخ الانساية ولا على تاريخ منطقة الشرق الاوسط خصوصا، بل بالاحرى شيئا متجددا كان يحدث في السابق من فرق وطوائف شتت عن دينها ومذهبها واخلاقها واتخذت لنفسها مذهبا مختلفا ومنهحا مغايرا ورأت ان توثّقه وتحافظ عليه بالدم وان كان من دم الابرياء طالما هم لا يتبعون دينهم او مذهبهم او معتقدهم.

من تلك الفرق المذهبية التي شغلت المنطقة لفترة زمنية طويلة، فرقة الحشاشين التي اتخذت من الارهاب استراتيجية لها وتمكنت ان تتمدد من ايران الى بلاد الشام بفعل بطشها الدموي واستراتيجية الاغتيالات والقتل الجماعي.

فما اشبه اليوم بالغد فالارهاب لا ينتمي الى دين او طائفة او مذهب او عقيدة بحد ذاتها غير عقيدة الارهاب التي تؤمن بالقتل من اجل القتل وتعطي لذلك القتل مبررا وهميا باسم دين او مذهب وحتى ترجعه كفرا وطغيانا الى الله جل جلاله.

من تلك الفرق المذهبية فرقة الحشاشين التي طغت في البلاد في القرن الثاني عشر ميلادي. 

والحشاشون كما اسموا انفسهم هم طائفة اسماعيلية نزارية انفصلت عن الفاطميين اواخر القرن الخامس هجري الحادي عشر ميلادي لتدعو الى مبايعة نزار المصطفى لدين لله ومن جاء من نسله ليؤم المسلمين، وكانت معاقلهم في بلاد فارس والشام.

وقد اسس طائفة الحشاشين الحسن بن الصباح واتخذ من قلعة الموت في ايران مركزا لنشر دعوته وترسيخ دولة الحشاشين.

اتخذ الحشاشون من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلا لهم ليحتموا فيه اذ ان دعوتهم قلّبت عليهم العباسيين والفاطميين ودولا وسلطنات وممالك منها االسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والايوبيين والمسيحيين. الا ان جميع هؤلاء فشلوا في استئصالهم، طوال سنوات من محاربتهم لكنهم استطاعوا محاصرتهم ولم يمكّنوهم من الانتشار خارج يؤرتهم الجبلية التي كانوا يتحصّنون فيها.

 

كانت الاستراتيحية العسكرية للحشّاشين تعتمد على الاغتيالات 

والتصفيات الجسدية التي تقوم بها فرقا متخصصة. وكانت تلك الفرق تثير الرعب في قلوب اعدائهم من حكّام وعامة الشعب، خصوصا وانهم تمكنّوا من اغتيال عددا من الشخصيات المهمة ذلك الزمن، امثال الوزير السلجوقي نظام الملك والخليقة العباسي المسترشد وكونراد ملك بيت المقدس آنذاك.

 

وعندما اجتاح المغول المنطقة عام 1256 قضوا على تلك الفرقة بعد مذبحة كبيرة جرت في ايران وسرعان ما تهاوت الحركة في الشام واستطاع ملك مصر الظاهر بيبرس القضاء عليها كليا.

 

والنزارية هي طائفة من الشيعة الاسماعيلية ينتشر اتباعها في الوقت الحاضر في اماكن متفرقة من العالم خصوصا في شرق افريقيا والهند واوروبا. وهم يؤمنون بتفسير باطني للقرآن، ويضيفون الجهاد والشهادة الى اركان الاسلام الخمسة. وهم لا يؤمنون كغيرهم من الطوائف الشيعية يغياب الامام لانهم يعتقدون ان الامامة متصلة بشكل مباشر من الامام علي الى الحضار اعاخان بنسل حسين بن علي.

 

لم يثبت فعلا ان لقب الحشاشين مستوحى من تعاطي هذه الفرقة للحشيشة، انما المصادر التاريخية تشير الى امكانية التسمية من عدة مشتقات اهمها:

أساسان (Assasins): أي القتلة أو الاغتياليون. وهذه لفظة كان يطلقها الفرنسيون الصليبيون على الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم.

حساسان: نسبة إلى شيخ الجبل «الحسن بن الصباح» الذي أسس فرقة الموت.

عساسون: مشتقة من «العسس» الذين يقضون الليالي في قلاعهم وحصونهم لحراستها والدفاع عنها.

أساسين: مأخوذة من الكلمة الأصلية (المؤسسين) حيث أنهم أسّسوا قوتهم في قلعة ألموت.

 

ووصلت التحويرات العربية لمصطلح الحشاشين إلى مسامع الصليبيين ليلفظوه Assasins والذي يعني القاتل الذي يغتال وصار اسم لرقة الحشاشين يعني فرقة المغتالين. وخصبت خيالات الاوروبيين في وصف تلك الفرقة وزخرت كتبهم بالكثير من الأساطير حولهم خصوصا في قصة الرحالة الإيطالي ماركو بولو التي تعرف بـ"أسطورة الفردوس" وفيها وصف قلعة الموت بأنها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل أتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. 

وكان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: "من الجنة"، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة!»

 

كان افراد فرقة الموت عند الحشاشين يلقبون بالفدائيين وكان هؤلاء مدربين بشكل احترافي على فنون التنكر والفروسية واللغات وفنون المصارعة والقتل. ويتميزون باستعدادهم للموت في سبيل تحقيق هدفهم. وكانت استراتيجيتهم الاندماج في جيش الخصم أو البلاط الحاكم بحيث يتمكنوا من الوصول لأماكن ومراكز تمكنهم من تنفيذ المهمات الموكولة اليهم. 

 

كان الفدائيون ينفذون الاغتيالات غالبا في الأماكن العامة على مراى ومسمع الجميع لاثارة الرعب. وكان الحشاشون يحرصون على بناء مخازن كبيرة لخزن الماء والطعام داخل القلاع مما يجعلهم قادرين على مواجهة الحصار الطويل. وقد نجحت هذه القلاع في صد أغلب الهجمات الموجهة إليها والصمود لعشرات السنين.

 

وفي صراعهم مع صلاح الدين الايوبي حاولوا اكثر من مرة اغتياله وكادوا ينجحون لولا ان دهاءه وحيطته لم تمكنهم من قتله برغم انهم نجحوا بزرع عيون وعملاء لهم داخل جيشه وحتى داخل حرسه الخاص.

ولم يتمكن صلاح الدين من القضاء عليهم رغم محاصرته لهم لفترة وجيزة بسبب انشغاله بقتال الصليبيين الذي كان من اولويات مهامه، فآثر تأجيل حربهم الى ان ينتهي من الصليبيين.

 

وعندما اجتاح المقول المنطقة شارك الحشاشون في سورية في التصدي للتهديد المغولي، وحاولوا كسب ثقة الظاهر بيبرس قائد المماليك في مصر.

وبعد هزيمة المغول تفرّغ الظاهر بيبرس من اعمالهم واوجس منهم خيفة رغم انهم كانوا تحت سيطرته التامة، لكنه قرر الخلاص منهم، فهاجم قلاعهم التي سقطت الواحدة بعد الاخرى امام جيوشه، وقضى عليهم نهائيا عام 1271م

 

الموسم

خاص

حقوق النشر واعادة النشر محفوظة للموسم

 

 

We dig deep in the news to uncover the roots

All Rights Reserved© Al Mawsam

bottom of page