top of page

أسسس العثمانيون أقوى دولة اسلامية في العصر الحديث، استطاعت دحر الصليبيين، والسيطرة على بلاد كنعان وشبه الجزيرة العربية وشمالي افريقيا. واستولوا على بلاد اوروبا الوسطى امتدادا الى البلقان، كما اجتاحت جيوش الدولة العلية جنوب ايطاليا واخذوا قبرص وحاصروا فيينا عاصمة النمسا. وسيطرت اساطيلها على طرق التجارة البحرية في البحر الاسود والبحر الابيض والبحر الاحمر امتدادا الى الخليج العربي الفارسي وبحر الهند.

الا ان ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها جعل الدول الأوروبية تتآمر لاستباحتها امنيا وسياسيا، فأثاروا ضدها الحركات السياسية والدينية والعرقية اضافة الى التمردات الداخلية التي أسعرتها ضد الدولة العثمانية، التي وصل ضعفها الى أوجّه حين أعلن محمد علي باشا والي مصر انفصال مصر واستقلالها عن الدولة العلية. ثم جاءت الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية لتكرّس انفصالا دينيا وتلغي خلافة السلاطين العثمانيين.

أمّا في الداخل فقد برزت جمعية تركيا الفتاة، التي استطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني  وجناح مدني هو الانتظام والترقي. عرفت هذه الجمعية فيما بعد باسم "الاتحاد والترقي"، وتمتعت بنفوذ قوي حيث انضم إليها الكثير من ضباط الجيش المسيطر على الآستانة، وكذلك الفرق الباقية في أوروبا. فرض الإتحاديون على السلطان إعلان دستور جديد للبلاد وسيطروا على معظم مقاعد المجالس النيابية، وعندما وجدوا أن السلطان سيكون عائقًا في تحقيق أهدافهم، عزلوه.

في ذلك الوقت سيطرت الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك، ثم هاجمت إيطاليا ليبيا، آخر الممتلكات العثمانية الفعلية في شمال أفريقيا. ثم جاءت حرب البلقان الأولى ففقدت فيها الدولة العثمانية ما تبقى لها من ممتلكات في البلقان عدا تراقيا الشرقية ومدينة أدرنة.

في تلك الفترة ظهرت النزعة التركية الطورانية بقوة وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي إلى تتريك الشعوب غير التركية تحت ظل الدولة العثمانية، مثل العرب والشركس والأكراد والأرمن. وفي سنة 1913م عقد الوطنيون العرب مؤتمرًا في باريس، واتخذوا مقررات أكدوا فيها على رغبة العرب في الاحتفاظ بوحدة الدولة العثمانية بشرط أن تعترف الحكومة بحقوقهم، كون العرب أكبر الشركاء في الدولة.

عندما قرر محمد علي أن يجتاح بلاد الشام بالقوة عام 1831، وجّه جيشه إلى فلسطين وأخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري إلى الأناضول،  فسارعت روسيا لنجدة الآستانة والدفاع عنها، وخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي، حيث أقر له السلطان بولاية مصر وجزيرة كريت وفلسطين ولبنان وأضنة. وفي غضون ذلك توسّع النفوذ الروسي في الدولة خصوصًا بعد أن أبرم السلطان معاهدة مع روسيا تعهدت فيها الأخيرة بالدفاع عن الدولة العثمانية لو هاجمها المصريون أو غيرهم.

اجتمعت كل من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقية صدّق عليها العثمانيون، تنص على بقاء ولاية مصر وراثية في عائلة محمد علي، وولاية عكا مدى حياته، فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الأوروبيين والمندوب العثماني من مصر، وبناءً على ذلك هاجمت البوارج الحربية البريطانية والنمساوية والعثمانية مدن الساحل الشامي واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على الجيوش المصرية التي كانت تحت قيادة إبراهيم باشا، وأجبرته على العودة إلى مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام إلى ربوع الدولة العثمانية، وأصبحت سيادة الدولة على مصر سيادةً اسميّة.

توصلت الدول الأوروبية الكبرى، بعد انتهاء الأزمة العثمانية - المصرية، إلى عقد اتفاقية جماعية مع الدولة العثمانية، أُطلق عليها تسمية "معاهدة المضائق" أو "اتفاقية لندن الخاصة بالمضائق"، وقد أرست هذه الاتفاقية نظامًا للمضائق العثمانية ظل مطبقًا بدون إدخال تعديلات جوهرية عليه حتى قيام الحرب العالمية الأولى.

في أواخر عهد السلطان عبد المجيد الأول، نشبت عام 1860 فتنة طائفية كبرى في الشام، وتحديدًا في دمشق وسهل البقاع وجبل لبنان بين المسلمين والمسيحيين عمومًا، والدروز والموارنة خصوصًا، فوقعت مذابح مؤلمة، وكان ممثلي بريطانيا وفرنسا يشجعون الفريقين على الانتقام ويساعدونهم على الثأر، فخشي السلطان أن تؤدي هذه الفتنة إلى تدخل الدول الأجنبية العسكري، فأمر بإخمادها حالاً. وكانت الدول الأوروبية قد ضغطت على السلطان وحملته على القبول بتشكيل لجنة دولية يوكل إليها أمر إعادة الهدوء إلى جبل لبنان ودمشق، وتصفية ذيول الفتنة.

قدّمت الدول الأوروبية الكبرى لائحة للدولة العثمانية تقضي بتحسين الأحوال المعيشية لرعاياها المسيحيين، وفرضوا مراقبة اوروبية لتنفيذ إجراءات التحسين. فرفضت الدولة اللائحة؛ لأن هذا يعتبر تدخلاً صريحًا في شؤونها. استغلت روسيا هذا الرفض واعتبرته سببًا كافيًا للحرب، وفي هذه المرة أطلقت أوروبا العنان لروسيا لتتصرف كيفما تشاء مع العثمانيين، فاحتلت الأفلاق والبغدان وبلغاريا ووصلت أدرنة وأصبحت على بعد 50 كيلومترًا فقط من الآستانة، كذلك دخلت جيوشها الأناضول، وعادت الصرب والجبل الأسود لتعلن الحرب على الدولة العثمانية، فاضطرت الأخيرة إلى طلب الصلح، وأبرمت معاهدة سان ستيفانو مع روسيا عام 1877، التي اعترفت فيها باستقلال الصرب والجبل الأسود والأفلاق والبغدان وبلغاريا، ثمّ تمّ تعديل هذه المعاهدة في مؤتمر عُقد في برلين تمّ بموجبه سلخ المزيد من الأراضي عن الدولة العثمانية.

في تلك الفترة برز حدثان كبيران ألقيا بتقلهما على الدولة العلية بشكل خاص والمنطقة بأسرها عموما، هما الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية.

 

فقد عملت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية على إذكاء الشعور القومي الأرمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمة في الآستانة أن بعض الأرمن يعملون كعملاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت إليهم على أنهم خطر يهدد كيان الدولة ومستقبلها وأمنها. ولم تلبث أن عمّت الاضطرابات أنحاء أرمينيا، وأخذ الثوّار يهاجمون الموظفين الحكوميين العثمانيين، وقاموا ببضعة مجازر في بعض القرى الإسلامية الكردية، فقام العثمانيون بالرد على ثورة الأرمن بأن أرسلوا جيشًا مؤلفًا بمعظمه من الأكراد إلى مناطق الثورة حيث دمّروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، فيما أصبح يُعرف باسم "المجازر الحميدية".

أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل عام 1897، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.

 

...... يتبع

الموسم - حصريا

حقوق الطباعة والنشر محفوظة

ماضي، حاضر ومستقبل مهد الحضارات الحلقة (11)

 

 

 

الشرق الاوسط قبل الحرب العالمية الاولى

 

والشرق الاوسط هنا هو البلاد الممتدة من شمال افريقيا الى شبه الجزيرة العربية الى بلاد ما بين النهرين الى بلاد الاناضول والشام والمشرق العربي شرقي البحر الابيض المتوسط امتدادا الى بلاد كنعان فلسطين والاردن.

  • Wix Facebook page
  • Wix Twitter page
  • Wix Google+ page

We dig deep in the news to uncover the roots

All Rights Reserved© Al Mawsam

bottom of page