فلسطين وموسم العز
يروي لي والدي رحمه الله ان اللبنانيين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر السائح الفلسطيني ليزور لبنان وينتفع من كرمه وماله: التاجر والمطعم والقهوة ومحل الملبوسات ومحل المجوهرات وسائق سيارة الاجرة والفندق.
فقد كانت الدولة الفلسطينية آنذاك وبرغم الاحتلال البريطاني، خير سند للبنان ومصر وسوريا والاردن ماليا وتجاريا واقتصاديا.
واسّس الفلسطينيون اهم المؤسسات المالية والشركات العالمية كبنك انترا وشركة ابيلا العالمية التي تعني بتموين معظم شركات الطيران العالمية والمطارات الدولية وما زالت.
عندما سرقت اسرائيل فلسطين وضعت يدها على كل خيراتها وسلبت الشعب الفلسطيني كل حقوقه حتى حقه بالمطالبة باسترداد بيته وارضه.
أما عصبة الامم (الامم المتحدة اليوم) التي شرّعت عام 1948 زوال هذه الدولة من الخارطة، ووافقت على سرقة اسرائيل لفلسطين، ووافقت على طرد وتشريد الشعب الفلسطيني، ما زالت توافق على اغتصاب حقوقهم، وتوافق على لجم كل امل للشعب الفلسطيني بالعودة الى دياره.
لولا الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على غزة. كادت الاحداث الجارية في البلدان العربية، والفورة التكفيرية التي يفورها العصابات المتشددة دينيا، أن تُبعد القضية الفلسطينية من الواجهة بعد ان كانت هي القضية الاولى والشغل الشاغل للمهتمين باسرائيل ووجودها.
ولأن غلطة الشاطر بألف غلطة، فقد أفاد العدوان على غزة اهل غزة والشعب الفلسطيني برمته برغم الدماء التي اريقت والشهداء الذين سقطوا والدمار الشامل الذي حل بالقطاع.
والحقيقة ان القضية الفلسطينية يجب ان تكون القضية الاولى على طاولة الامم وايضا على طاولات الحكومات العربية، لان ايجاد حلا سريعا لها هو المدخل الذي يكاد ان يكون الوحيد لاستقرار المنطقة بكاملها بما فيها اسرائيل.
حرب غزة الاخيرة كشفت الضعف الاسرائيلي وعرّت جيش دفاعها، الذي كان يوهم الجميع بأنه من اقوى جيوش العالم، الا انه سقط امام اصرار الشعب ومقاومته وعقيدته القومية الراسخة.
كما كشفت الاحداث الاخيرة في العراق وسوريا ضعف الولايات الاميركية وركاكة قرارها السياسي. كما أفقدتها هالتها القوية التي هيمنت بها على العالم لسنوات طويلة تحكمت فيها برقاب العباد في كل بلاد الشرق الاوسط. فاصبحت اليوم وبسبب ضعف ادارتها كالغول الذي خارت قوته فلم يعد قادرا على الهيمنة ولا حتى ارعاب الناس.
لذلك بدأنا نلمس حركات تمرد على السياسية الاميركية من دول المنطقة التي تعد من حلفاء اميركا كمصر التي انتفضت وقلبت الطاولة على رأس الاميركان، ودول الخليج الذين ايدوا مصر محبة ونكاية بالاميركان، وها هم اليوم عازمون على رد قطر الى حضنهم واقناعها بعدم تلبية المطالب الاميركية في المنطقة.
إن صنّاع السياسات العالمية والذين يصنعون سياساتهم في الشرق الاوسط على مقاس اسرائيل وأمنها، فاتهم ان ما يُبنى على باطل باطل ولا يمكن ان يستمر. وأن السحر لا بد ان ينقلب يوما على الساحر.
فها هي قوانين اللعبة قد بدأت تؤثر على واضعيها. وها هو حوت التطرف الديني الذي اخترعوه وموّلوه ووجّهوه قد بدأ يفلت من عقاله ويحاول ابتلاعهم في المنطقة مع غيرهم.
قد يكون انتصار غزة اليوم هو الاساس لخطة سياسية بديلة تعيد الصواب لجنون اللاعبين، وتقدّم حلا عادلا حقيقيا لقضية فلسطين واستقرارا مقبولا في دول المنطقة شاءت اسرائيل أم أبت.
سامي الشرقاوي