المخابرات الاميركية الغبية والرؤساء الاغبى
حسناً .... ربما اغبياء!
انما من المؤكد انهم ضعفاء. اضعفوا الولايات المتحدة والبلاد التي تحالفت معهم والبلاد التي وقعت تحت سيطرتهم، خصوصا في منطقة الشرق الاوسط.
وللانصاف وجب القول ان سيطرة اميركا والدول الاوروبية الكبرى لم تكن بفعل قوة وذكاء الادارات التي حكمت بعد الحرب العربية الاسرائيلية عام 1967، بل الادارات التي حكمت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1956.
اما ما بين عام 1956 وعام 1967 فقد دخلت الولايات المتحدة على خط الادارة العالمية واخترعت استعمارا جديدا، اضعفت بواسطته فرنسا وبريطانيا واطلقت يدها للهيمنة على دول الشرق الاوسط كافة.
الاستعمار الجديد الذي اخترعه الاميركان يقضي بعدم احتلال الدول بل على العكس منحهم استقلالهم انما تحت اشرافهم المباشر والغير مباشر.
وبسبب وجود الاتحاد السوفياتي تلك الايام كقوة عظمى، نجح الاميركان الى حد ما بتثبيت انظمة في بعض البلاد ثم اخترقوا تلك الانظمة للسيطرة عليها.
وخلال الحرب الباردة بين الاميركان والسوفيات نشطت فروع المخابرات التابعة للقوتين وازدهرت، وصرنا نرى الانقلابات والاغتيالات والمؤامرات تتوالى في بلادنا الى حد مريع.
وكانت اللعبة المخابراتية تلك الايام تتم بادارة الانظمة الغربية الحاكمة والنظام السوفياتي الحاكم والانظمة الاخرى التابعة لهم في بلادنا. وللانصاف كانت اللعبة المخابراتية على درجة عالية من الاحتراف والاتقان.
بعد هزيمة العرب عام 1967 دخلت اسرائيل على الخط وبرعت مخابراتها في اختراق كل المخابرات الدولية والمحلية العاملة في المنطقة.
ولكي يرد الاميركان على خرق اسرائيل بمخابراتهم انتشلوا النظام المصري يومذاك من يد السوفيات ودعموا السادات ليربح حربا على اسرائيل ويسترجع الاراضي التي احتلتها من مصر عام 67. وبعد ذلك اقنعوا الطرفين بتوقيع معاهدة كامب دافيد وكان هذا على يد الرئيس الاميركي كارتر الذي كان آخر الرؤساء الاميركان الذين كان لهم وزنهم في الحكمة والادارة.
بعد كارتر توارد على الولايات المتحدة رؤساء اخذوها الى منحى آخر، وكان اعتمادهم في الحكم على تقوية ادارة المخابرات والتغلغل في انظمة الدول لافسادها ورد اسرائيل الى الحضن الاميركي. فكافئوها باجبار الفلسطينيين (وربما اجبارها) على توقيع معاهدة سلام لم يكن احد من الاطراف راضٍ عنها.
وعندما سقط الاتحاد السوفياتي، لم يعرف الاميركان كيف يستغلوا الوضع عالميا، بل تباهوا باسقاط السوفيات (مع ان الشعوب هي التي اسقطت ذلك النظام الحديدي والانظمة التي نتجت عنه)، واغترّوا انهم باتوا القوة العالمية التي تدير العالم، ولم يتنبّهوا الى ما تحيك لهم مخابرات دول اخرى في العالم، في مقدمتهم الدول الاوروبية الذين لم ينسوا لعبة اميركا معهم بعد الحرب العالمية الثانية، وروسيا التي لم تستطع الخروج من ثوب القوة العظمى وان سقط الاتحاد السوفياتي.
وصارت ادارة المخابرات بعد ذلك تتحكم بالقرار الاميركي وتستغل ضعف الرؤساء وضعف ادراتهم، حتى وصل الحال الى بروز منظمات معارضة للانظمة الغربية مجهزة ومسلحة وممولة وجاهزة لتخريب البلاد وقتل العباد في الشرق الاوسط اهمها كان منظمة القاعدة التي كان زعيمها بن لادن الحليف الاكير للاميركان ضد السوفيات في افغانستان. والذي نجح بجذب الولايات المتحدة لاحتلال افغانستان عسكريا بعد عملية الطائرات الانتحارية في قلب اميركا.
ثم رأينا كيف ابرزت المخابرات الاميركية ادلة ملفقة امام مجلس الامن لتبرر حربها الاولى على العراق ثم حربها الثانية واسقاط صدام حسين وتثبيت نظام فئوي دكتاتوري آخر "باسم الديمقراطية"
وربما ظن القيّمون على المخابرات الاميركية ان لعبة انتاج انظمة ارهابية متطرفة اسلاميا في دول الشرق الاوسط تساعدهم على خربطة انظمة هذه الدول واضعافها ليسهل السيطرة عليها، وتزيد من كراهية العالم للدين الاسلامي.
وباعتراف هيلاري كلنتون اوجد الاميركان تلك المنظمات الارهابية لعدة اسباب تعزز سيادة الاميركان في المنطقة. لكن لم يكن في الحسبان ان ينقلب السحر على الساحر وتتمرد تلك العصابات على موجديها وتتمادى في احتلال المناطق وقتل البشر بشناعة لم يذكر التاريخ مثلها الا في العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية والعصور الوسطى في اوروبا.
لهذا السبب نرى الرئيس الاميركي الحالي مترددا جدا بالقيام بأي عمل لمحاربة تلك الجماعات، لان جهله السياسي بالامور لم يدعه يستوعب ما يجري لعلمه ان الادارة الاميركية هي من يحرك تلك الجماعات.
والرئيس اوباما ليس جاهلا بالسياسة فحسب، بل ايضا تتحكم به شخصية ضعيفة لا تخوّله اتخاذ قرارات قوية ثابتة. وهو ما زال يعتمد على مستشاريه ومخابراته التي تتحكم بقراراته والتي اظهرت حتى اليوم غباء شديدا اغرق الشرق الاوسط برمته في اتون من الفتن والقتل، وبدأ يمتد شراره الى اوروبا والولايات المتحدة في عقر دارهم.
وهذا ما تنبهت له الحكومة البريطانية وباشرت باتخاذ اجراءات لحماية البلدـ كما تنبهت له فرنسا وباشرت في الشرود عن الخط الاميريكي وبدأت بالتعاون المباشر مع دول الخليج.
اما النتيجة المباشرة للغباء الاميركي فكانت اولا بخروج مصر عن الوصاية الاميركية، ثم في اتحاد دول الخليج العربي مع ايران لتسوية اوضاع المنطقة وابعاد الولايات المتحدةـ ويبدو ان اسرائيل لا تمانع ذلك خصوصا بعد حرب غزة التي اظهرت علاقة عدائية غير مسبوقة بين اسرائيل واميركا.
ونرى اليوم تحركات سياسية استثنائية بين ايران والدول العربية، تحاول الادارة الاميركية جاهدة ان تدخل على الخط لافسادها.
فهل ستنجح في ذلك؟
هذا يعتمد علينا وليس عليهم.
سامي الشرقاوي