بشارة واكيم الباشا الظريف
ولد الممثل القدير بشارة واكيم في حي الفجالة بالقاهرة في 5 مارس من عام 1890، وهو من اصول لبنانية ودرس في مدارس الفرير الفرنسية في باب اللوق والتحق فيما بعد بكلية الحقوق، وكان مرشحًا لأحد المنح الدراسية إلى فرنسا ولكن الأمر لم يكتمل بسبب قيام الحرب العالمية الثانية.
بدأ بشارة واكيم حياته الفنية مع فرقتي عبد الرحمن رشدي وجورج أبيض، ثم عمل مع الفنان يوسف وهبي في فرقته، كما عمل كذلك مع الفنانة منيرة المهدية، وقدم العديد من الأفلام خلال فترتي الثلاثينيات والأربعينيات منها: (بسلامته عايز يتجوز، الباشمقاول، لو كنت غني، انتصار الشباب، العريس الخامس). توفى في 30 نوفمبر عام 1949 عن عمر يناهز 59 عامًا.
كانت اسرة والدة من مدينة صور وكان يعمل تاجرًا للأقمشة هناك وأتى مهاجراً إلى مصر ووالدته نازلى نصيف من طرابلس وكان له خمسة أشقاء وشقيقتان .
وكان يتحدث الفرنسية بطلاقة العربية ورغم انه مسيحي إلا أنه حفظ القرآن وطالع كتب التفسير مرددا من يريد أن يتثقف فى اللغة يجب أن يحفظ القرآن ويتفهم معانيه وقد ساعدته ثقافته الواسعة على ترجمة العديد من روايات عيون الأدب الفرنسى إلى العربية.
كان محامياً ولولا قيام الحرب العالمية الثانية وتعذر سفره إلى فرنسا لأصبح أول فنان يحمل درجة الدكتوراة فى القانون من السوربون فقد كان مؤهلاً لها بعد حصوله على شهادة الحقوق الفرنسية بدرجة امتياز وعمله كمحام أمام المحاكم المختلطة قبل احتراف التمثيل .
كانت بدايته الفنيه عندما سمع عن محاولة جورج أبيض لتأليف فرقة تمثيلية فذهب لمقابلته وقدم نفسه على أنه من هواة التمثيل ومن خريجى كلية الحقوق الفرنسية وأنه يعمل بالمحاماة ولكن رفض جورج أبيض إشفاقًا على مصيره لانه سيضحى بمستقبله كمحام ليعمل بالتمثيل
وصرفه بعد أن اعتذر عن ضمه إلى فرقته ونصحه بالاهتمام بمستقبله كمحام ونزل بشارة واكيم عند نصيحة جورج أبيض والتحق بمكتب أحد محامى المحاكم المختلطة ولكنه لم يقطع صلته بالحياة الفنية فقد عقد صداقات مختلفة مع هواة الفن من الشباب المثقفين ومنهم سليمان نجيب وعبدالرحمن رشدى وفؤاد سليم وعبدالوارث عسر وغيرهم.
وكان أقربهم لقلبه عبد الرحمن رشدى لأنه أيضًا محام فحين أعلن عبدالرحمن أنه خلع روب المحاماة للتفرغ للتمثيل وكون فرقة تمثيلية باسمه كان من الطبيعى أن ينضم بشارة إلى هذه الفرقة كهاو واستمر فى عمله كمحام وقام بأدوار صغيرة ولكنها أدوار كشفت عن مواهبه العريضة واستطاع إثبات تفوقه فى التمثيل.
لم تنجح فرقة عبدالرحمن رشدى وكان جورج أبيض قد شاهد بشارة على المسرح وأعجب بأدائه فعرض عليه الانضمام لفرقته فاستأذن عبدالرحمن وانضم إلى فرقة جورج أبيض ممثلا بالغتين العربية والفرنسية حيث كانت تقدم عروضها فى الأوبرا 3 ليال بالعربية وليلتين بالفرنسية, حلق بشارة شاربه لتسهيل عملية الماكياج وكان والده قد توفى، فطرده شقيقه الأكبر لأنه تنازل عن رمز الرجولة ليعمل مشخصاتى فاضطر للمبيت فى أروقة المسرح.
وكان لجانب تعمقه فى الفرنسية واسع الثقافة فى العربية وساعدته ثقافته فى اللغتين على ترجمة عدة روايات من الأدب الغربى للمسرح, وانضم لفرقة رمسيس نجيب كممثل وكعضو فى اللجنة التى كونها يوسف وهبى للإشراف على ترجمة وتمصير وتأليف مسرحيات الفرقة واشترك بشارة فى ترجمة واقتباس 12 مسرحية قدمتها الفرقة ثم انتقل لفرقة فاطمة رشدى وعزيز عيد واشترك فى العديد من المسرحيات.
لم يخطر بباله أنه قد يتجه إلى الأدوار الكوميدية يوما لكنه ما لبث أن عمل مديراً فنيا لفرقة منيرة المهدية واستهواه التمثيل الكوميدى وسرعان ما لمع نجمه فى أول دور بطولة جسد فيها شخصية جحا فى مسرحية الغندور وكان هذا الدور بداية تحول كبير فى أدائه التمثيلى وأصبح نجما كوميدياً من الطراز الأول مما جعل الريحانى يضمه إلى فرقته وعهد إليه بالأدوار الرئيسية فى جميع مسرحياته وكان أبرزها مسرحية (قسمتى)، و (الدنيا على كف عفريت) و " حسن ومرقص وكوهين ".
استطاع واكيم فى فترة قليلة أن يكون من أبرع ممثلى الدراما وظل يزاول هذا اللون من التمثيل حتى حصل على جائزة الدراما فى المسابقة التى نظمتها وزارة المعارف عام 1926 لما اتجه إلى التمثيل الفكاهى طبع بطاقة باسمه وكتب تحت اسمه " حاصل على جائزة الدراما من وزارة المعارف وممثل فكاهى "
كان واكيم من أوائل الذين عملوا فى التجارب الأولى للسينما حين شارك أمين عطا الله فى بطولة فيلم الباشكاتب عام 1923 إخراج محمد بيومى. وعام 1934 قام بشارة بإنتاج وتمثيل أول أفلامه فيلم ابن الشعب، وكان له أدوار ناجحة مع البدايات الأولى للسينما بدءا من دور جحا فى فيلم الغندورة عام 1935 الذى سبق وجسده على خشبة المسرح، ثم دوره فى فيلم ملكة المسارح مع بديعة مصابنى عام 1936، ودوره فى فيلم بواب العمارة مع على الكسار عام 1935, وعام 1942 كانت أول بطولة مطلقة لبشارة واكيم فى السينما فى فيلم " لو كنت غنى " تأليف أبوالسعود الإبيارى وإخراج هنرى بركات. وفى الأربعينات أصبح بشارة واكيم القاسم المشترك الأعظم فى غالبية الأفلام المصرية خصوصاً بعد النجاح الساحق الذى حققه فى تقمص شخصية اهل الشام التى كانت لا يخلو منها فيلم لضمان عرضه فى سائر الأقطار العربية.
وكغيره من نجوم الكوميديا لم تعرف السعادة طريقها إليه كثيرًا، فعلى الرغم من النجاح الذي حققه إلا أنه عاش حياة بائسة، ولم يستطع أن يحصل من الدنيا على أهم ما يريد بل على المحرك الأساسي لحياة أي إنسان عادي، فالسعادة الزوجية لم تكن يومًا من نصيبه.
بشارة أحب وهو طالب بكلية الحقوق إحدى قريباته، وتقدم لخطبتها ولكنه اتفق مع والدها على إتمام الزواج بعد التخرج، وحينما استهواه الفن وقرر التضحية بمهنته الأساسية وترك عمله بمكتب المحاماة ليلتحق بفرقة جورج أبيض المسرحية رفض الوالد إتمام ارتباطهما بل وسارع بتزويج ابنته قسرًا إلى آخر، مما سبب صدمةً كبيرةً له, ولكنه عرض الزواج على زميلته بالفرقة الفنانة الكوميدية ماري منيب، لكنها رفضت لارتباطها بالفنان فوزي منيب، الذي تزوجها وأنجب منها وحملت اسمه بقية مشوارها الفني فأضرب تماماً عن الزواج وعاش أعزبًا للنهاية مع شقيقته فى شقة شبرا بعد وفاة زوجها وأشرف على تربية وتعليم أبنائها حتى كبروا وكتب كل ثروته بأسمائهم .
عام 1947 كان واكيم يمثل مع الريحانى مسرحية الدنيا لما تضحك فارتفع ضغط دمه فجأة وانحبس صوته أثناء وقوفه على المسرح وصاح به الجمهور يستحثة على رفع صوته فحاول باستماتة لكنه أخفق، ولما أسدل الستار انهار باكياً كالطفل الذى لا حول له ولا قوة هامساً: "أضحكت الناس ثلاثين عاماً. أفلا يتحملنى بضع دقائق حتى استرد قدرتى على النطق
نصحه الريحانى حرصاً على حياته بأن يلزم الفراش فترة فأبى ولكن الريحانى أصر لكى يرغمه على الراحة فسحب جميع الأدوار منه فغضب وانضم لفرقة " الكوميدى المصرية " ولم تمض أيام حتى انهار تماماً وأصيب بمضاعفات ونقل إلى المستشفى، وحاول الأطباء أن يبعدوه عن التفكير فى مشاغل المسرح دون جدوى فقال لهم: "إذا تركتمونى أذهب إلى المسرح يومياً للفرجة فسوف تتقدم صحتى" وسمحوا له لمدة ساعة يومياً
مات بشارة واكيم في 30 نوفمبر عام 1949 وعلى صدره نسخة من مسرحية كان ينوى العمل فيها.
المصدر: البلد & الموسم