من لم يحبه في عصره؟ ذاك الفنان الانسان العبقري المرح المتلفئل دائما، صاحب القلب الطيب والصاحي الصاحب الذي ما كان يتردد في مساعدة اصدقائه ولو على حساب نفسه.
ولد محمد فوزي عام 1918 في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، وهو الابن الواحد والعشرون من أصل خمسة وعشرين ولداً وبنتاً، منهم المطربة هدى سلطان. وتعلم أصول الموسيقى على أحد أصدقاء والده الذي كان يصحبه للغناء في الموالد والليالي والأفراح. ثم التحق بعد نيله الشهادة الإعدادية بمعهد فؤاد الأول الموسيقي في القاهرة، وبعد عامين على ذلك تخلى عن الدراسة ليعمل في ملهى الشقيقتين رتيبة وإنصاف رشدي قبل أن تغريه بديعة مصابني بالعمل في صالتها.
تعرف على فريد الأطرش، ومحمد عبد المطلب، ومحمود الشريف، وارتبط بصداقة متينة معهم، واشترك معهم في تلحين الاسكتشات والاستعراضات وغنائها فساعدته فيما بعد في أعماله السينمائية.
تقدم وهو في العشرين من عمره، إلى امتحان الإذاعة كمطرب وملحن أسوة بفريد الأطرش الذي سبقه إلى ذلك بعامين، فرسب مطرباً ونجح ملحناً مثل محمود الشريف الذي سبقه إلى النجاح ملحناً.
قرر إحياء أعمال سيد درويش لينطلق منها إلى ألحانه التي هي مِلْء رأسه، وقد سنحت له الفرصة عندما تعاقدت معه الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى ممثلاً ومغنياً بديلاً عن المطرب إبراهيم حمودة في مسرحية (شهرزاد) لسيد درويش، ولكنه أخفق عند عرضه الأول على الرغم من إرشادات المخرج زكي طليمات له، وقيادة محمد حسن الشجاعي الموسيقية الأمر الذي أصابه بالإحباط، ولاسيما أمام الجمهور الذي لم يرحمه، فتوارى زمناً إلى أن عرضت عليه الممثلة فاطمة رشدي، التي كانت تميل إليه وتؤمن بموهبته، العمل في فرقتها ممثلاً وملحناً ومغنياً.
وفي العام 1944 طلبه يوسف وهبي ليمثل دوراً صغيراً في فيلم (سيف الجلاد) يغني فيه من ألحانه أغنيتين، واشترط عليه أن يكتفي من اسمه (محمد فوزي حبس عبد العال الحو) بمحمد فوزي فقط، فوافق من دون تردد.
شاهد المخرج محمد كريم فيلم (سيف الجلاد)، وكان يبحث عن وجه جديد ليسند إليه دور البطولة في فيلم (أصحاب السعادة) أمام سليمان نجيب والمطربة رجاء عبده، فوجد ضالته في محمد فوزي، واشترط عليه أن يجري جراحة تجميلية لشفته العليا المفلطحة قليلاً، فخضع لطلبه، واكتشف بعدئذٍ أن محمد كريم كان على حق في هذا الأمر. وكان نجاحه في فيلم (أصحاب السعادة) غير متوقع، وساعده هذا النجاح على تأسيس شركته السينمائية التي حملت اسم أفلام محمد فوزي فى عام 1947.
وخلال ثلاث سنوات استطاع فوزي التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات.
دخل الإذاعة بقوة بأغانيه الوطنية و أغاني الأطفال مثل (ماما زمانها جاية) و (ذهب الليل)، والتي غناها في فيلم (معجزة السماء). كذلك اشترك مع مديحة يسري، وعماد حمدي، وشادية، وفريد شوقي، وهدى سلطان في رحلات قطار الرحمة التي أمرت بتسييرها الثورة عام 1953 بين مديريات الوجه البحري والآخر القبلي، وقدَّم جانباً من فنه مع الفنانين الآخرين لمواساة المرضى في المستشفيات، وفي مراكز الرعاية الاجتماعية.
عام 1958م استطاع فوزي تأسيس شركة مصرفون لإنتاج الإسطوانات، وفرغ نفسه لإدارتها، حيث كانت تعتبر ضربة قاصمة لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الإسطوانة بتسعين قرشاً، بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشاً، وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما.
دفع تفوق شركة فوزي وجودة إنتاجها الحكومة إلي تأميمها سنة 1961م وتعيينه مديراً لها بمرتب 100جنيه الأمر الذي أصابه باكتئاب حاد كان مقدمة لرحلة مرضه الطويلة التي انتهت برحيله بمرض سرطان العظام في 20 أكتوبر 1966م.
سبق محمد فوزي غيره من الموسيقيين بأن توسّع في الاعمال الموسيقية والسينمائية وتميّز بأنه اول من طبع الاسطوانة بجنسيتها المصرية العربية واول من خصص للاطفال اغاني والحان واول من طبع الفيلم السينمائي الملون وهو ايضا اول من عرّب فن الكابيلا الذي يعتمد على نغمة اصوات الكورال بدل الالاات الموسيقية.
عجل السياسيون باكتئابه بعد تأميم شركته ومصنع الاسطوانات، وعجل المرض الخبيث بقتله.
مات محمد فوزي لكنه لا زال حيا في كل الاعمال الموسيقية التي تطورت بعده لانه كان البذؤة الصالحة في كل عمل من هذه الاعمال.
الموسم
حقوق النشر محفوظة للناشر