الشربوكة السياسية ودواعش الفتن
لقد نجحت الصهيونية بتحويل نقطة الارتكاز في الشرق الاوسط من القضية الفلسطينية والضغط على اسرائيل من اجل ايجاد سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط، الى قضية عرقية طائفية مذهبية بامتياز، صار الضغط فيها يرتكز على الشعوب العربية والاسلامية في المنطقة، وبدأ الكلام من خلال هذا الضغط يرتكز على تغييرات ديموغرافية شاملة فيها.
فلم نعد نسمع وسط ما يجري في البلاد العربية من احداث، عن اي ذكر لحل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي على الاقل للاراضي العربية ما قبل 1967، ولم تعد على ما يبدو مسألة القدس العربية تشغل بال الحكام في الدول العربية.
وحتى اذا ما سلّمنا ان هناك من ما يزال يذكر القضية الفلسطينية وينادي بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، فإن ذلك لا يتعدّى الكلام السياسي الذي يأمل المتحدّث به ان ينال دعما لوضعه على الساحة الاقليمية. ويبقى هذا الكلام ينحصر في اطار الهدف الحقيقي وهو فرض سلطات مذهبية معينة على امتداد الساحة الشرق اوسطية.
نجحت المؤامرة في تأليب الدول العربية والاسلامية على بعضها البعض، وتأجيج الصراعات او في اقل تقدير النعرات العرقية والطائفية والمذهبية بين هذه الدول، والتي سقطت وبشكل مخجل في اتون هذه اللعبة اللعينة التي قد تؤدي الى خراب شامل للديار، وتُرجع المنطقة الى عصور كان المحتل الغربي وشريكه اليهودي ينعمان بسلطة التحكم بالعباد وارزاقهم.
مهّدت اسرائيل ودول الغرب لهذه اللعبة، بعد أن وجدت أو بالاحرى اوجدت الفرصة المناسبة لذلك عند احداث 11 سبتمبر ايلول، فبدأت الولايات المتحدة الاميركية بغزو افغانستان ثم احتلت العراق.
وهذان البلدان هما المحوران الاساسيان في المنطقة لتحريك وتأجيج النعرات العرقية المذهبية خصوصا وأن المذهب السني هو السلطة المعتمدة فيهما. وفي نفس الوقت بدأت بمحاصرة ايران، الدولة الشيعية المتنامية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وحتى نوويا. والتي تعتبرها اسرائيل تهديدا مباشرا لها، وتعتبرها الولايات المتحدة الفزاعة التي ترهب بها دول الخليج العربي السنية، وتأخذها حجة لابتزاز تلك الدول لتنفيذ مآربها في المنطقة.
للانصاف لا يجوز تحميل اسرائيل ومن معها وزر هذه المؤامرة بالكامل، لان الجرم الاكبر يقع على المتآمرين من داخل البيت، الذين انحازوا وتعصبوا لمذهب وطائفة ودين ضد مذهب وطائفة ودين.
وللانصاف ايضا يصح القول ان المتآمرين في الخارج لم يكن لينجحوا لولا المتآمرين في الداخل.
وهرلاء المتآمرون في الداخل هم الذين حملوا السلاح ضد اخوانهم وهم من كل الفئات والطوائف والمذاهب.
يجوز ان الجهل والفقر والحالة الاجتماعية المزدرية التي تهيمن على الناس في الشرق الاوسط هي جميعها السبب الرئيسي الذي ادى الى انضمام شريحة واسعة من الناس الى عصابات الحقد والفتن الطائفية والمذهبية.
غير ان هناك شريحة اوسع من الناس الذين يحترمون كل الاديان وحقوق الانسان والحريات لكنهم هم المستضعفين في الارض الذين لا يكاد يُسمع صوتهم في ضوضاء هذه الشربوكة الفتنة التي تعم البلاد والتي تسيطر على الاعلام والحكام وتنتج دواعش من كل الفئات وبجميع الاحجام.
الموسم