عمر الزعني ابن البلد وشاعر الشعب
هو عمر بن الشيخ محمد بن عمر الزعنّي، وأسرة الزعنّي من أصل مصري. كان الشيخ محمد والد عمر صاحب متجر للحبوب في محلة مينا القمح في مرفأ بيروت، والدته هي السيّدة بهيّة المغربل من عائلة بيروتيّة معروفة ولها مكانة اجتماعية محترمة في بيروت.
ولد عمر في محلة زقاق البلاط ببيروت عام 1898م، وعندما بلغ الثامنة من عمره أدخله أبوه الكليّة العُثمانيّة ومن زملاءه في الكليّة الأديب عمر الفاخوري، الشاعر عمر حمد، الأخوان محمد ومحمود المحمصاني، محمد عز الدين، عبد الله المشنوق، رياض الصلح، عبد الغني العريسي، والدكتور مليح سنو.
في العام 1914م تخرج من الكلية العُثمانيّة حائزاً على شهادة البكالوريا أو ما يعادلها في ذلك الزمان.
ظهر ميل عمر للمطالعة والكتابة في سن مبكرة، حتى إنه كان يلجأ إلى الاستعانة بفانوس البلديّة للقراءة في الليل عندما كانت والدته تحتاج إلى قنديل الكاز، الأمر الذي أثر على عينيه وأحوجه فيما بعد إلى استعمال النظارات الطبيّة.
بعد تخرجه من الكلية العُثمانيّة ، جُند في الجيش العثماني وأُدخل في الكلية الحربية في حمص حيث تخرج منها بعد ستة شهور برتبة ضابط إداري، وعُيّن مديراً للإعاشة الخاصة بالجيش في الشام، وبقي في هذا العمل طيلة الحرب 1914- 1918 متنقلاً من الشام إلى القدس إلى بئر السبع في فلسطين، ولم يشترك طوال هذه المدة في المعارك الحربيّة.
بعد الحرب عاد إلى بيروت حيث مارس التعليم في عدة مدارس أهليّة ومنها الكليّة العُثمانيّة التي كان من تلاميذها، ومن المدارس التي علّم فيها المدرسة التوفيقيّة التي أسسها الشيخ محمد توفيق خالد، مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة فيما بعد، والمدرسة الأهليّة لصاحبتها الآنسة ماري كسّاب.
أثناء وجوده في الكليّة العُثمانيّة مارس هوايته في نظم الشعر وكتابة الروايات المسرحيّة، وعمل على تأليف فرقة من هواة التمثيل، كان يمارس معهم هذه الهواية. كما أولع بالعزف على البُزق، وكان ينظم الأغاني الشعبيّة ويلحنها ويغنيها بنفسه.
وفي عام 1922م عمل عمر موظفاً كمساعد قضائي في محكمة بيروت البدائيّة، وفي هذه الأثناء إنتسب إلى كليّة الحقوق في الجامعة اليسوعيّة ببيروت مستعيناً بمنحة دراسيّة قدمتها له جمعية المقاصد الخيريّة الإسلاميّة.
نضجت نزعته إلى نظم الشعر والأناشيد والأغاني التي توحي بها الأحداث الجارية في البلاد والتطورات الإجتماعيّة التي عاشها المواطنون لا سيما في بيروت، وكان يشجعه في هذه النزعة الأديب البيروتي الشيخ رائف الفاخوري الذي ألّف رواية مسرحية بعنوان (جابر عثرات الكرام)، وقد مُثلت هذه الرواية في مسرح الكريستال في بيروت، وشارك عمر الزعنّي ببعض القصائد الإجتماعيّة والوطنيّة.
آثر بسبب عمله في بلدية بيروت حجب إسمه عن القصائد التي كان ينشرها وإستبدل به أسم أحد الشعراء الذي عاش ما بين العهدين الأموي والعباسي، وهو حُنّين بلوع الحيري، الذي كان مثله ينظم الشعر ويغنيه، وقدمته مجلة الكشّاف ونشرت قصائده بحماسة كبيرة واطلقت عليه لقب الشاعر والموسيقي المتفنن. وكانت أول قصيدة نشرتها له المجلة المذكورة بعنوان: ما عاد في الدنيا صغير.
وفي عام 1926م دُعي عمر الزعنّي لإنشاد إحدى قصائده في مسرح سينما الكريستال في بيروت بدعوة من نقابة الصحافة آنذاك، فأنشد قصيدة يصوّر فيها تدهور قيمة الوحدة النقديّة الفرنسيّة الفرنك ، بعنوان (حاسب يا فرنك):
جاء فيها
شوف النار الدرب قدامك
حاسب يا فرنك شّد فرامك
بترحل ما نحن في غرامك
من لطفك أو من إنعامـك
طالبين عفوك وإحسانـك
مجبورين محسوبيـــن
انزعجت سلطة الإنتداب الفرنسي من القصيدة، وأوعزت إلى الحكومة المحليّة بنقله من وظيفته في بلدية بيروت إلى وظيفة أخرى في البترون البعيدة عن مكان إقامته كما أشارت إلى عمدة كلية الحقوق بالجامعة اليسوعيّة أن يحرمه من دخول الإمتحانات.
بعد ذلك عاد إسترجع الفرنك الفرنسي مركزه مجدداً، فانشد عمر الزعنّي:
واليوم عزّ أيامــــك
عرّم يا فرنك وهز كمامك
ما عاد في مزاحم قدّامـك
المستر شلن خدامـــك
فبارك أميركا أهتـــزت
خزاين العالـــم إنهزت
عرّم يا فرنك يا فرنك عرّم
حتى الدولار ما راح يسلم
كان الزعني يرى في مقاومة الإنتداب الفرنسي وما يتصل به من مؤسسات ومسؤولين محليين بطولة وطنية فقرر ا يساهم في تلك المقاومة بواسطة قصائده اللاذعة.
انتقد عمر كل ما هو افرنجي وكل ما يغير التقاليد كالقبعة الأوروبيّة (البرنيطة) على الرأس التي حلت محل بالطربوش، والعادات الاوروبية والاميركية المستوردة
ولا بدها شيطـة
ما بدها عيطــة
وقع المقدّر يا عيني
ولبسنا البرنيطة
قبل واثناء الحرب العالمية الثانية عبّر عمر الزعنّي عن عواطفه مع المحور ضد الحلفاء بسبب احتلال فرنسا للبنان، ومن قصائده في دعم المحور:
أي بلا فرنسا وبلا أنكلترا
يلا مسيو ، يـلا يا مستر
يلاَّ بَّرا هيدي ســـكتر
شاعت هذه القصيدة بين الناس وأصبحت على كل لسان داخل البيوت وفي الشوارع وتحت أروقة المنتديات في جميع أنحاء البلاد.
تعاقد عمر الزعنّي مع محطة الشرق الأدنى التابعة للإذاعة البريطانيّة على إذاعة منظوماته وأغانيه. وكان يعمل على مسارح الفنادق السياحيّة في بيروت والجبل وكان يثير حماسة الناس بأغانيه وأناشيده الانتقادية اللاذعة التي كانت في بعض الأحيان سبباً في غضب الحكّام وإحالته إلى المحاكم وأحياناً الحكم عليه بالسجن.
توفي شاعر الشعب عمر الزعنّي في 11 شباط عام 1961م
لكنه ما وال حيا م خلال قصائده ولعله كان ينظمها لكل الازمنة فالذي يقرأ قصائده اليوم يشعر انها تلامس واقع الحكومات والمجتمعات الحالية.
خاص
حقوق الطبع والنشر محفوظة للموسم